أنت الذي لم تأت ... الأديب محمد الحسيني

 .............................

أذرَعُ الشُّرفةَ جيئةً وذهابًا،

كأنّني أعدُّ الغيابَ على البلاطِ خُطوةً،

خُطوةً... ثم خُطوة،

تنهيدةٌ تُشبهُك حينَ تَكذب.

أُكَلِّمُ نفسي و... أُقنِعُها

أنّكَ مُجرَّدُ تأخير،

ربّما عالقٌ أنتَ في الزحام،

أو توقَّفتَ من أجلي لابتياعِ وردة...

نعم، وردةٌ واحدةٌ تكفي،

فأنا لا أُحبُّ الأضاميمَ المُزدحمة.

ولكن... لما كلُّ هذا الوقت؟

أيّ رسالة؟

نقطةٌ زرقاء، حمراء، سوداء...

أيُّ شيءٍ يُبرّر هذا الغياب؟

وأدورُ حولي وأتشبّثُ بـ "درابزين" الحنين،

كي لا أسقطَ في انتظاري.

أقول: "سيأتي"،

ولا يُمكنُ لرجلٍ أن يزرعَ وعدًا هكذا في القلبِ ثم يختفي.

وأرتجفُ حين تتملّكني الوساوس:

"وهل أنتِ متأكّدةٌ أنّه لم ينسَ؟

أو أنّه لم يعُد يُريدُ المجيءَ؟

أو... أنّه ليسَ في شرفةٍ أخرى

تضحكُ فيها امرأةٌ لا تعرفُ عنكِ شيئًا؟"

تأخذني ابتسامةٌ صفراءُ قصيرة،

حين أصلُ لوهجِ الفكرة،

ودونما تفكير،

أجدني أُلاعِبُ "حَليقةً" في إصبعي،

أرجعُ بكُلِّي كما لو كنتُ صغيرة،

صغيرةً حين كنتُ أبكي بصمتٍ ولا يراني أحد.

وأتمتم...

لكانَ قالَ لي،

لكانَ صارحني، ونظرَ في عينيّ، وببساطةٍ...

"لا أُريدكِ بعدَ الآن".

لكنهُ لم يقُل،

ولم يأتِ.

وأعدُكَ حقا ... حين ستأتي،

سأشتاقُ إليك بطريقةٍ مختلفة،

كشخصٍ لم أعُد أُصدّق أنّه موجود.

أكرهُكَ... حين تُحسِنُ الغيابَ إلى هذا الحد،

وأُحبُّكَ... بطريقةٍ تجعلني أختبئُ من نفسي حين أرتشفُ حضورَك.

أتَعلم؟

أنتَ تملكُ قدرةً على جعلي أَنتظر...

لأُجيدُ في غيابِك ترتيبَ الوقتِ على مقاسِ أنفاسك.

وأغفرُ لكَ في حضورِك... دون أن أَسأل.

أنتَ الذي تأخّرتَ،

وتأخّرت،

ومع كلِّ ذلك،

كلّما هممتُ الخُطى،

انكمشَ قلبي كطفلٍ تائهٍ سمعَ صوتَ أُمِّهِ أخيرًا.

لِمَ لا أَكرهُكَ بالكامل؟

لِمَ لا أَمحُوكَ من صوتي؟

من خُطوتي، ومن مرايا البيت؟

وأقسمُ...

لو أنّكَ أمامي الآن،

لصرختُ في وجهكَ...

لا لأعاتبكَ،

بل كي تسمعَ كم أشتاقُكَ من صميمِ صميمي.

كنتُ سألطِمُ صدرَكَ بيديّ ا

لمرتجِفَتين،

ثم أُخبّئُ رأسي بوسادتِكَ،

وأُخبِرُكَ عن... عِناقٍ يبدأُ بالشتائم،

وينتهي بالبكاء.

( محمد الحسيني )