الأربعاء، 12 مارس 2025

رسائل في طريق السلام ..... للأديب أحمد الوالي


 رسائل في طريق السلام

رؤية فكرية من منطلق القرآن الكريم

بقلم المستشار أحمد عبد الله الوالي

 

المحور الثالث؛ المجتمع الإنساني والسلام:

الحلقة الأولى؛ مجتمع الضلال وعاقبته:

يجتمع في الإنسان صفتان متضادتان؛ صفة ملائكية، وصفة حيوانية، وكل ذلك يرجع إلى طبيعة تكوينه؛ فليتقي مع الملائكة في الصفة الروحية، ومع البهائم في الصفة اللحمية والدموية، وكلما اجتهد على صفة اقترب من جنسها، حتى لكأنه واحد منهم، وصفات الملائكة؛ الطهر والطاعة والقيام بالأوامر الإلهية، أما صفات البهائم؛ فهي صفات شهوانية لا تعتمد على حلال ولا حرام، بل يستوي أمام الحيوان كل شيء، مخضعا إياه لشهوته البهيمية: شهوة البطن والفرج.

والإنسان المجتهد على الجانب الروحاني يصبح سلاما للمجتمع، وأمانا لأفراده، أما الإنسان المجتهد على الجانب البهيمي؛ فيكون عدوا لدودا لقوانين الطبيعة البشرية، ويصبح وحشا فتاكا بالضعفاء، دون وازع، ولا قانون يردعه إلا القوة القاهرة. والعرب في الجاهلية فقدوا الجانب الروحي تماما، حتى قال فيهم ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)﴾. الجمعة. ومعنى الضلال: الانحراف عن الطريق الصحيح، فأكد سبحانه هذا الانحراف بقوله "مبين"؛ أي واضح جلي.

وهل يمكن لمجتمع يعيش في ضلال مبين؛ أن ينتج حضارة مزدهرة، لقد تاه العرب في جاهليتهم في معمعة حياة لا نتائج وراءها، وإن ما تركه العرب من مآثر طيبة لا تقابل الضلال الذي عاشوا فيه، وهل أشنع من وأد البنات إلى جانب عبادة الأصنام. ومن هنا فإني أردت أن أبين حال مجتمع الضلال أيا كان، كمقدمة بين يدي المحور الثالث؛ والذي سيتطرق إلى الحديث عن المجتمع المثالي إن شاء الله تعالى.

 

✋ وصف المجتمع الضال في القرآن:

☜ الوصف الديني:

1- الشرك وعبادة غير الله تعالى:

أعظم انحراف عاشه العرب في الجاهلية انحراف العقيدة الدينية، وذهابهم إلى عبادة الأحجار والأشجار، والجن، والحكام، وهم –المعبودون من دون الله- لا يملكون نفعا ولا ضر، ولكن ضياع العقول، وذهاب الناس وراء المكابرة والتقليد. قال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ (18)﴾ يونس: 18.

2- تكذيب الحق والاستهزاء به:

الحق لا يرده إلا أحمق، منتكس في فطرته، وهذا الذي حدث عند الجاهليين، ومن سار على مذهبهم في الإسلام؛ قال تعالى:

وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)﴾. الأنعام. وإنا لنعجب العجب كله في ضياع عقولهم، وهل لعاقل أن يرد الحق مع وضوحه كالشمس في السماء، والآيات تتوالى عليهم بحجة وبرهان ساطعين. ولكن كما قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)﴾. الأنعام.

3- تفرق أمرهم وتشتته وراء الأهواء الأغراض الذاتية:

قال تعالى: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)﴾. المؤمنون.

و قال تعالى: ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)﴾. الأنبياء.

4- الغفلة وعدم التفكر:

قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55)نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)﴾. المؤمنون.

وقال سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)﴾. الزخرف.

وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)﴾. يونس.

5- الكبر:

قال سبحانه: ﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)﴾. الأنعام.

6- الدهرية:

المراد بالدهرية عدم الإيمان بالبعث والنشور، وأن حياتهم تنتهي بالموت؛ قال تعالى: ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)﴾. الأنعام.

7- اتخاذ الدين لهوا ولعبا:

قال تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)﴾. الأنعام.

✋ هدف المجتمع الضال:

إن قوما لا يؤمنون بالحياة بعد الموت؛ لقوم يكرسون جهدهم في الدنيا إشباع رغباتهم، وشهواتهم، ومن هنا يظهر القانون المادي البحت، الذي لا يعترف بالخضوع لعدالة السماء، ولا لقوة الله تعالى، فيكون هو المحلل والمحرم، وقوانينه ستصدر عن أناس لا يعرفون الجانب الروحي. قال تعالى في مبينا هدفهم ومتهكما بهم: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)﴾. الحجر. ولا غرو أن نرى النظام البهيمي سائدا في مجتمعهم. قال تعالى على لسانهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)﴾. المؤمنون.

وقال سبحانه: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)﴾. الجاثية.

فالمرحلة التي يصل إليها هؤلاء مرحلة خطيرة؛ يخبرنا ربنا عنها بقوله: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)﴾. إبراهيم.

☜ وهذه أساسيات المجتمع الضال من وازع فهمهم؛ نجملها في النقاط التالية:

1- العيش للدنيا.

2- فرصتهم في إشباع غرائزهم محدودة.

3- لا رقيب عليهم.

4- ليسوا مسئولين عن أي خطأ يرتكبونه.

5- صد الناس عن الطريق المعرفة بالله


وبآخرته.

6- إرادة الفساد والترويج له.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية