صورة الإنسان بين ونظرة بقلم الشاعر محمد حسن محمود
"صورة الإنسان بين نظرة الناس ونظرة الله"
أنتَ بينَ الناسِ لكَ ألفُ صورةٍ وصورةٍ، كلُّ من يراكَ يرسمُ لكَ صورةً حسبَ قناعاته وفكره وطريقةِ نظرتهِ إليكَ. فالبعضُ يراكَ ورعًا تقيًا صادقَ الإيمانِ، والآخرونَ يرونكَ فاسقًا عاصيًا تنفثُ في الأرضِ فسادًا. أي أن ليسَ لكَ صورةً ثابتةً بينَ جميعِ البشرِ، وهذا ليسَ عيبًا فيك، بل هي طبيعةُ البشرِ وأفكارهم. فهم ينظرونَ إليكَ بعينِهم لا بعينِك.
ما أودُّ قولهُ هنا هو أنَّ المهمَّ ليسَ نظرةُ الناسِ لكَ، بل الأهمُّ هو نظرتكَ لنفسكَ. فأوضحُ صورةٍ لكَ هي صورتُك في عيونِ ذاتِك. لذا، لا تكترثْ لمدحِ المادحينَ أو قدحِ الحاقدينَ، بل اعملْ بما أنتَ عليهِ معَ ربك. قالَ تعالى: {بَلِ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِیرَةً} [سُورَةُ القِيَامَةِ: ١٤].
من هنا يجبُ أن ننظرَ لأنفسنا في كلِّ لحظةٍ، على أيِّ صورةٍ نحن. هل نحنُ على طاعةٍ أم على معصيةٍ؟ لأننا لا نعلمُ في أيِّ حالةٍ سنموتُ. قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلۡغَیۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِی نَفۡسٌ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدًۭاۖ وَمَا تَدۡرِی نَفۡسٌ بِأَيِّ أَرۡضٍ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ} [سُورَةُ لُقۡمَانَ: ٣٤]. نحنُ في حاجةٍ لأن نرسمَ صورتَنا عندَ الله. فإذا أحبَّنا اللهُ وحسنت صورتُنا عنده، أحبَّنا الناسُ جميعًا، حتى الحاقدينَ. قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (مريم: 96). فليكن غايتك أن تدركَ حبَّ اللهِ.
عليكَ بالتقربِ إلى اللهِ، خاصةً في شهرِ رمضانَ، والالتزامِ بالفروضِ مع الحرصِ على النوافلِ. تأديةُ الفروضِ يجبُ أن تكونَ إخلاصًا لا تخلصًا، واقبلْ على النوافلِ تقربًا لا تكرمًا. قالَ تعالى: {وَمَاۤ أُمِرُوا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ حُنَفَاۤءَ وَيُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَ ٰلِكَ دِینُ ٱلۡقَیِّمَةِ} [سُورَةُ البَيِّنَةِ: ٥]. فأنتَ أحوجُ ما تكونُ إلى القربِ من الله.
احذرْ من الذنوبِ والمعاصي، وخاصةً ذنوبِ الخلواتِ فإنها مهلكاتٌ. قالَ اللهُ تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4). اجتهدْ أن يكونَ لكَ بينكَ وبينَ اللهِ خبيئةٌ وسريرةٌ، حتى تكونَ لكَ منجيةً يومَ القيامةِ، لأنَّ حسناتِ الخلواتِ منجياتٌ. قالَ تعالى: { إِنَّمَا یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ ۩ }
[سُورَةُ السَّجۡدَةِ: ١٥].
وفي الختام، ربما الصورةَ التي يرسمها الناسُ لنا قد تتبدلُ مع تقلباتِ الأيامِ، ولكن الصورةَ الثابتةَ التي ينبغي أن نرسمَها لأنفسنا هي تلكَ التي نحتفظُ بها في ضميرنا، وعندَ اللهِ، لا في عيونِ الناسِ. فليسَ النجاحُ في أن يُمدحَ الإنسانُ في الدنيا، بل أن يكونَ راضيًا عن نفسه في مسيرته، وينالُ رضا اللهِ في آخرته. فلنحسنْ النيةَ، ولنخلصْ العملَ، ولنعملْ دائمًا بما يرضينا في داخلنا، فإنَّ حسنَ النيةِ والإخلاصِ هما ما يعكسانِ حقيقةَ قيمتنا في الدنيا والآخرة.
محمد حسن محمود
البلد/ مصر
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية