طيوف تبع ..... الكاتب / جلال أحمد المفطري
طيوف تُبَّع
بِوِدّي أن أُثَوّر كل مضجعْ
وأُوقد شعلة ًفي كل مخدعْ
وأسكب في قلوب الناس همّي
ضريماً.. لا يُمنّي ثم يخدعْ
حريقاً يستثير بنات فكري
فينصبها ويخفضها ويرفعْ
ويسقيها لهيب تحولاتي
ويدخلها من الباب الممنّعْ
ويبعث وحيها في كل قلبٍ
فتأتي من نجوم الليل ألمعْ
ومن قلبٍ إلى قلبٍ توافي
فتنجب ثورةً أصبى وأروعْ
وتستمني حروفاً من شعاعٍ
أثيريٍّ من الترهيب أصدعْ
بِودّي أن أثور بلا رفاقٍ
ولا سيفٍ من الذهب المرصّعْ
ولا بارودةٍ تغتال شعبي
ولا دبّابةٍ للشعب تقمعْ
أتسأل عن رفاقي يا صديقي؟
رفاقي موطني وطيوف تُبَّعْ
رفاقي كائناتٌ لا تراها
لها أصغي ولي تصغي وتسمعْ
وسيفي الحب.. لا سيفٌ سواهُ
وحزبي روح هذا الشعب أجمعْ
أمُدُّ إلى "السعيدة" كل ظلي
وأتبع ظلها مهما تقطّعْ
وأودع في مآقيها لهيبي
وألثم وجهها مهما تقنّعِْ
وأجمعها وأطلقها صفوفاً
منظمةً.. جيوشاً ليس تركعْ
طيوفاً من وراﺀ الموت تأتي
براكيناً تؤججُ كل منبعْ
شعوباً لا تقرُّ إذا أتتها
نداﺀاتي ولا تصغي لمدفعْ
ولا تصغي لغير نداﺀ قلبي
ولا تستوطن القلب المزعزعْ
ولا تعطي قيادتها لغيري
وإن ملك النجوم وإن تمتّعْ
وإن صلى وصام وإن تماهى
مع كل الملوك.. وإن تضرّعْ
أأستعدي الملوكَ؟ أنا ملوكي
لسلطاني إذا ناديتُ أخضعْ
ومملكتي قلوب الناس لكن
قلوب الناس تأمرني وتمنعْ
لــ "ذي بَتَعٍ" شكوتُ عظيم حبّي
لــ "بلقيس" فقال: لها تشيّعْ
فقلتُ له: لقد ملَكَتْ فؤادي
فقال: ابسط يديك فأنتَ أوسعْ
فقلتُ له: وهل ترضى اتحادي؟
فقال: فؤادها أصبى وأولعْ!
أمن "سَلْحِيْن" أمضي يا صديقي؟
فقال: قصورها في كل مقبعْ
لها في كل قصرٍ مهرجانٌ
ويعسوبٌ من اليعسوب ألسعْ
فكن يعسوبها الأعلى فإني
أراك التُّبع الفذ المُقنَّعْ
وراح يخطُّ لي صكاً كريماً
وعمَّدَه وراح إليَّ يدفعْ
وقال: املك قواها وامتلكها
وكن من "أسعدٍ" أقوى وأتبعْ
وراح يقول لي: "بلقيس" مدّتْ
إليك يداً فجمّعْ ما تفرقعْ!
وجمّع فيكَ توأم كل روحٍ
من الأرواح واقرأ ما تجمّعْ
ترى شعباً عظيماً فيكَ يحيا
ومن عينيكَ يا "قحطان" يرضعْ
فوحّد فيك مملكة التصابي
وكن أصبى ومن "سَلْحِيْن" أمنعْ
طرقتَ الباب فادخل من سواهُ
فإنك شاعرٌ والشعر أنجعْ
وسافر عبر موجات القوافي
ترى "بلقيس" في جنبيك تقبعْ
وفارقّني وراح يغيب عنّي
وودعني.. فقلتُ له: مودّعْ!
وقالت نحلة تدعى "سعاداً":
إلى "بلقيس" كن أصغى وأسمعْ
وراحت تنقل الأنباﺀ عنها
فأسمع صوتها في كل مقطعْ
وألمح طيفها في كل غصنٍ
وأقرأ هجسها في كل مطلعْ
وأستفتي "سعاد" : ومن تناجي؟
فقالتْ: فارساً للباب يقرعْ
ومجنوناً يراها في سواها
ويعرف وجهها مهما تبرقعْ
إليها ينتهي مهما تماهى
مع أسمائها مهما توزّعْ
ومنها يبتدي مهما تراهُ
أتى من غيرها.. مهما تنوعْ
لها ينصاع منجذباً إليها
إذا ما أسفرت من أي منجعْ
فيدخل خدرها من كل بابٍ
وتحت لوائها يمتد أشسعْ
ويسقيها كؤوس الحب خمراً
أثيرياً من القدح المسقّعْ
فيطفئ نارها ويصب فيها
غراماً من نقيع الكرم أنقعْ
ويسكرها إلى أن يعتريها
سطوعٌ من سطوع الشمس أسطعْ
ويبدع صحوها حتى يراها
تقيم قيامة في كل مضجعْ
فقلت لها: ألستِ لها امتداداً؟
فقالتْ: إنني "بلقيس" فارتعْ!
وسافر في كياني مستطيعاً
فإنك من ملوك الأرض أسطعْ
توحد بي وكن يعسوب قلبي
وجمّع فيك مِنّي ما تفرّعْ
ولملم أفرعي واملك كياني
وصرِّفني متى ما شئتَ واجمعْ
وقل للاهثين: كفى ضجيجٌ!
فليلكمُ مضى والفجر شعشعْ
وراحت تسقني من كأس "أروى"
وتطعمني من العسل المشمّعْ
وتلبسني ثياباً من حريرٍ
وتأمرني: على عرشي تربّعْ!
ومدّتْ ظلها حتى كأني
بها قد ملّكتني كل مطمعْ
وراحت ترتديني قلتُ: إني
أراكِ سحرتِني! قالتْ: توقعْ!
فقلتُ لها: لقد صرنا كلانا
كياناً واحداً أسمى وأرفعْ
وصرنا توأمين على بساطٍ
أثيريٍّ من الميراج أسرعْ
فطيري بي إلى زمنٍ جميلٍ
به ألقى مُواطنةً ومرتعْ
به ألقى هوية مفرداتي
وأرضع من موارده فأشبعْ
وألقى فيه جناتٍ ومرعى
وتاريخاً من التاريخ أنصعْ
فضمتني وقالتْ: ليس جرماً
بأن تستنهض الشعب المضعضعْ
وأن تصبي النجوم وتشتهيها
وأن تستخرج الكنز المضيّعْ
وطارت بي إلى صرحٍ عظيمٍ
وقالتْ: هاهنا عندي تموضعْ
وناجي الشعب حتى ترتديهِ
وقل للشمس: هلّا صرتِ أربعْ!
وقادتني إلي ملكٍ عظيمٍ
فقلتُ: أهذه روح "الهُمَيْسَعْ"!
فقال: اجلس هنا إني سأسدي
إليك نصيحة فالفجر أزمعْ
ووشوشني وقرَّبني إليهِ
وقال: من السحيق الفجر يطلعْ
ومن كل العصور له نسيجٌ
إذا ما رحت تجهله تميّعْ
فكن كل العصور تضيف عصراً
إلى كل العصور إليك يرجعْ
فقلت له: كلامك مستحيلٌ!
فقال: المستحيل يكون أطوعْ
إذا ما رحت تحلم مستفيضاً
وقلتَ له: بإيماني تشبّعْ!
وولى قائلاً: نجمي تولى
ونجمك يا صديقي سوف يلمعْ
وقالت روح "بلقيس": تحدى
ظروفك واتحد بالشعب تسطعْ
فقلتُ: وكيف أرتجل اتحاداً
بشعبي؟ قالتْ: التاريخ مرجعْ
وروح الشعب تلهم منقذيها
وتدري كيف تخلقهم وتصنعْ
فشبّتْ في دمي نار التحدي
وقالتْ: من براكيني تجرّعْ
وقالتْ قد ملكتَ قياد قلبي
فكن يا أيها السبئي تُبَّعْ!
د. جلال أحمد المقطري
ْ
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية