الثلاثاء، 1 يوليو 2025

علي حافة الولاء ... للشاعر د. طاهر عرابي

 “على حافة الولاء”

حين تتراكم التفاصيل وتبهت المعاني وسط ضجيج الحياة،

نكتشف أننا أسرى للوقت الذي كنّا نظنّ أننا نملكه.

ماذا فعلنا في الماضي؟ وهل كان ذلك بإرادتنا حقًا؟


هذه القصيدة ليست تأمّلًا في الاغتراب فحسب،

بل وقفة على الحدّ الفاصل بين الحقيقة والوهم،

بين الولاء والضياع،

بين ما نحسبه يقينًا… وما يتلاشى أمام أعيننا.


فهل ما زلنا قادرين على الإمساك بالخيوط المتشابكة؟

أم أننا عالقون في دوّامة الأسئلة… بلا مخرج؟

نحبّ أن نكون — لكن أين؟ وكيف؟



“على حافّة الولاء”


(قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي)

دريسدن – 18.03.2025 | نُقّحت في 28.06.2025


أحبّائي،

لقد وصلتُ إلى نقطةٍ لا أعرفُ فيها حبّكم.

تفاصيلُ الحياةِ تثقلُ لمحاتِ عيوني،

تتخبّطُ، وتقفزُ فوق السكون،

وأرهقتني الصورُ قبل أن تشرقَ البهجة.


تتداخلُ في العيون كأشواكٍ… لا تجرح.


انقضى النهارُ بفرحهِ المألوفِ في وداعنا،

ونحنُ نستعجلُ المساء،

لنحفظَ أنهارَ الوجوهِ الجافّة،

كأنّنا نقفُ على خشبةِ مسرحٍ مهجور،

وكلٌّ منّا له وصلتهُ ودوره،

لكن لا جمهور…

ولا مخرجَ فطن،

سوى يقينٍ باهت:

إن لم يتبعنا أحد… فنحنُ قابعون.



ظلالُ الكهوفِ لا تكتبُ شعراً

ولا تُغرّدُ،

بل تتمدّد كعتمةٍ قديمةٍ من جوف الأرض،

تُركت تتجمّد بصمت،

وتنتحب الخفافيش التائهة.


من يدري عمرَ الألوانِ الرماديّة

تحتَ قطراتِ الندى المرتعشة؟

حتى الكهفُ يجهلُ

متى نُزع الضوءُ من فمهِ،

ومتى نسيَ اليقظة قبل الغموض.



خذوا أماكنكم

في الساحةِ الخلفيّةِ للوهم،

اجعلوا الكراسيَ أقدامًا،

وانظروا فقط إلى السماء.


لا مكان للعُشبِ البنفسجيِّ على الأرض،

وحتى لو كلّمتم جذوره،

لن يمنحكم لونًا.


الغيومُ لا تحدّدُ نقاء المطر،

السماءُ وحدها

تمنحُ اتّجاهًا نحو الغفران.



انتهى زمنُ التطلّعاتِ الجميلة،

صرنا أسرى عُلبٍ مقفلة،

لكلٍّ منّا نافذةٌ

تُطلّ على النوم…

وعلى حوافّ الاغتراب.


فناجوا السماء…

هي الأوسعُ في الرّحمة،

أما المرايا،

فصورةٌ لوهمٍ يصنع وهمَنا،

ويتبعثر في المواعيدِ الضائعة.



كيف نعشقُ الضياع،

ونضحكُ عندَ حوافِّ الرجاء؟

في الكذبِ نُقدّسُ الأشياء،

ثم نُصالحُ ابتسامةً

نهديها للفراغ.


الكذبُ فراغٌ مخيف،

لا تدخلوا…

فلن تخرجوا بثوبٍ

يعترفُ بكم.



نُعاتبُ الغافلين:

كيفَ غفلوا قبلَنا؟

وتركونا نحرسُ القيم؟

فلمن نُقدّمها…

ونحنُ غيابٌ في زمنِ الحبّ؟


استهَنّا بالأخلاق،

وسألنا المطر:

كيفَ خرجَ من سباته

يُفتّش عن أوعيةٍ صدئة

ويُحدّدُ نوعَ الجفاف؟


كيف خرجَ النبعُ

ولا يعرفُ تضاريسَ الأرض؟



لم نعد نُمسكُ بالأوهام،

ولا نجرؤُ على الحلم.

ضاع الوقتُ الذي انتظرناه،

لنمدّ عليهِ جسرًا…

فانتهى قبل أن نصل.


كلُّها مشاهدُ وفصول،

ولو أمسكْنا…

لكُنّا الرجاء.



أصبحنا قصّةً واقعيّة،

نتحرّكُ بلا سطور،

نقرأ أنفسَنا

مغمضي العيون.


انظروا من حولكم،

ولا تستكثروا عليَّ البقاء،

ولو على طرفِ الكرسي،

وأنتم في أرجوحةٍ

مهترئةِ الحبال،

تتظاهرون بالسعادة.


ستسقطون كصحونِ الخزف،

حتى يملَّ الألمُ من الخوف،

ويفرَّ من عيونِكم

رذاذُ العطف.



تمايلوا على الأرصفة،

واسلكوا المنعطفات…

لكن لاحظتُ:

لم نعد نتشاجرُ على نوعِ الغناء،

نطربُ للهمسات،

لنسمةٍ

تمرّ من تحت جناحي طائرٍ ضاحك.


لكنّنا غارقون في فهمِ الولاء،

حتى لو والينا الظلال،

وتماهينا مع العتمة.


من أشاحَ عن وطنٍ

تاهَ في البعيد،

وسلّمَ للقدرِ وجهًا

لا يعرفُ الرحمة،

فلن يرى

إلا المكانَ الذي يُدعى القطيعة،

حيثُ يجلسُ الجالسُ

فوقَ عظامهِ الباردة،

يُحدّقُ في السراب… ويَرْقى له.



لم أعد أفهم.

من يفهمني؟ ولماذا؟

في سوقٍ ليس فيه من يُباع

سوى الحيرةِ

في دكاكينِ العبث،

فليتقدَّم خطوةً

نحو ما تبقّى من يقين،

فلعلّ عناقَ البداياتِ الروحية،

حين كان الواحدُ منا

يعلى


بحث عن الواحد،

قبل أن يفكّر في الصباح،

يعيدنا ورقةً

نضعها على محاورِ الوصول،

ونشكرُ ولادتَها… فنرضى

أنّنا ما زلنا معًا بلا شك.


(قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي)

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية