انين الضمير للشاعر محمد شعوفي
✒️ أنين الضمير تحت ركام النفاق
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتخفت فيه القيم، يعلو صوتٌ لا يُسمع إلا لمن أرهف قلبه:
أنين الضمير تحت ركام النفاق.
في صدى هذا الأنين، أقف على أطلال زمنٍ يئن ضميره تحت ركام النفاق، أسأل نفسي:
أترانا ندرك حقًّا أن هذه هي أزمتنا الحقيقية؟
ليست الأرقام والحدود هي التي تكشف جرحنا، بل ذاك الأنين الخفي الذي يخرج من أعماق قلوبٍ أضعمها التشرذم، وأسكنها الزيف.
فوق رفات الأخلاق، تقف أمتنا على حافة هوّة، وسؤال البقاء يُلحّ:
هل نسمع صرخات ضمائرنا قبل أن تخرس إلى الأبد؟
في زحام الحياة وتسارع الأيام، أقف متأملًا في جوهر ما يحيي الأمم ويرفع شأنها، فأجد أن الأخلاق هي الروح التي تنبض في صدر الحضارات، وهي النور الذي يهدي سبل الإنسانية.
إنما الأمم ما بقيت بأخلاقها، فإذا ذهبت أخلاقها، ذهبت هي وتلاشت في غياهب النسيان.
أكتب هذه الكلمات بدافعٍ من إيماني العميق بأن الأخلاق ليست ترفًا فكريًّا، بل هي الأساس الذي تقوم عليه حياة الفرد والمجتمع، وهي الدرع الذي يحمي الإنسان من التيه والضياع.
إن أشدّ الأزمات التي تهدد وجودنا ليست تلك التي تُقاس بالأرقام والإحصاءات، ولا تلك التي تُعالج بالمال أو العلم أو التجارة.
إنها أزمة الأخلاق، تلك الأزمة الصامتة التي تتسلل إلى القلوب والضمائر، فتفسد ما تبنيه الأيدي وتضيّع ما تحققه العقول.
القانون، ذلك الحارس الذي نصبه المجتمع، قد يُحاسب الناس على ما يراه ويسمع، لكنه يقف عاجزًا أمام خفايا النفوس وزوايا القلوب.
القانون لا يملك أن يزرع الفضيلة في دواخلنا، ولا أن يُربّي أجيالًا تحمل مشاعل الأمانة والصدق.
إن القوانين وُضعت لضبط سلوك المنحطّين أخلاقيًّا، لتمنعهم من الجور والظلم والإفساد في الأرض، لكنها لم توضع للإنسان الأخلاقي الذي يحمل في قلبه مخافة الله، فيتقيه في السرّ والعلن.
أنا، كإنسانٍ أؤمن بقيم الفضيلة، أرى أن الرجل الأخلاقي لا يحتاج إلى سلطان القانون، فهو يحمل في نفسه ميزانًا داخليًّا يوازن به بين الحق والباطل.
إنه لا ينتظر مديح الناس أو ثناءهم ليفعل الخير، بل يبذله في صمتٍ وإخلاص، يساعد الناس سرًّا وعلانية، ويفضّل عطاءه في الخفاء على ما يُعلن، لأنه يدرك أن الخير الحقيقي لا يحتاج إلى أضواء الشهرة أو تصفيق الجموع.
إن مساعدته في السرّ تأتي نقيّة من كلّ منٍّ أو امتنان، خالية من الأذى أو الادّعاء، وهي أعظم من عطاياه المُعلنة لأنها تنبع من قلبٍ يخشى الله ويحبّ الخير لذاته.
وإني لأتساءل:
كيف ترتقي أمةٌ تخلّت عن أخلاقها؟
كيف نرجو العزّة ونحن نغذّي شرارة الشقاق بنفاق الألسن، وتآكل الضمائر، وانحدار القيم إلى حضيض المصلحة العاجلة؟
هذه أزمتنا الحقيقية:
أننا ندوس على أنين ضمائرنا لنَبني صرحًا من ركام النفاق.
إن الأخلاق هي الجذر الذي يربط الإنسان بإنسانيته، وهي الرابط الذي يجمع بين أفراد المجتمع. حينما أنظر إلى التاريخ، أرى أن الأمم التي ازدهرت كانت تلك التي استندت إلى قيم الصدق والأمانة والعدل.
وحينما أتأمل في حاضرنا، أجد أن كثيرًا من التحديات التي نواجهها تنبع من غياب هذه القيم.
فشلت العقول في البناء لأنها فقدت ضمير الصدق، وتفكّكت الأسر لأنها نسيت لغة الإيثار، واحتدمت الصراعات لأننا استبدلنا لذّة الانتصار على الآخر بفخر الانتصار معه.
إننا بحاجة إلى إحياء الأخلاق في نفوسنا، إلى تربية أجيالنا على حبّ الخير والتضحية والإيثار.
إن الأخلاق ليست مجرد كلمات نردّدها، بل هي سلوكٌ يوميٌّ وسيرةٌ عطرةٌ تُلهم الآخرين.
ولعلّ من أعظم ما يمكن أن أقدّمه لمجتمعي هو أن أكون قدوةً في أخلاقي، أن أزرع بذور الخير فيمن حولي، سواءٌ بالقول أو الفعل.
إنني أحلم بمجتمعٍ يسوده الصدق، ترفرف فيه رايات العدل، وتنتشر فيه قيم الرحمة والتكافل.
إن الأخلاق هي المصباح الذي يُضيء دروبنا في ظلمات الحياة، وهي الجسر الذي يعبر بنا إلى برّ الأمان.
النهضة.. أو الصمت الأبدي
في الختام، أدعو نفسي وإياكم إلى استحضار أنين ضمائرنا قبل أن يُطمسَه ركام النفاق.
هذه أزمتنا الحقيقية، وما عداها فأعراض.
لنعمل معًا على نشر الوعي بأن الفضيلة ليست خيارًا، بل هي سبيل النجاة الوحيد.
لنُنقذ ضمير الأمة من صمته المُرّ، ولنَبنِ جسر الخلاص بحجر الصدق، وملح العدل، وماء الرحمة.
فإما أن ترتفع بنا الأخلاق إلى فسحات الحرية والسلام،
وإما أن نظلّ سجناء أنيننا إلى أن تبلغ الصيحة مداها فيكون الفناء.
لنكُن نحن الصوت الذي يُطفئ أنين الضمير بصلاح الحال، لا بصلاح القال.
والله من وراء القصد.
بقلم:
محمد شعوفي
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية