الثلاثاء، 25 مارس 2025

إليك حواء .... للأديب عبدالسلام اضريف


 اليكِ حواء


" مَرحبًا يا حواء، 

ها أنا أكتبُ لكِ تلك الرسالة بَعد تفكيرِ مَريرِ، 

رُبما تَكُوني الآن فِي أَشد لحظاتُكِ حُزنًا وانكسارًا،

 أو أَكثرها بَهجة، ولكني أودُ أن أخبرُكِ أنكِ زهرة جَميلة بِصرف النَظر عَن تلك الحياة والضغوطات، تَبدأ القصة بِصُراخِ ولكنهُ مُحبَب، ويَتبعهُ تَهليل الجميع..نعم إِنهُ يوم ولادتكِ، ثُمَّ تَبدئين بالنمو تَدريجيًا وتَستحوذين عَلَىٰ قلوب الجميع رويدًا رويدًا، ثُمَّ يَبدأ فمُكِ الصغير بِنُطق الكلمات لدرجة أن الثمانية وعشرون حرفًا أحبوا كَونهُم حروفًا لأنكِ تَنطقيهم، ثُمَّ تَتوالى الأحداث والأيام حَتَّىٰ تَخرجي من ثَوبِ الصغرِ، وتَتفتحي كالزهرة التي طال انتظارهُا. ولكن الحياة تَتغير فِي كُلَّ لحظة، وليست بِجنة لتجعلكِ تَعيشين حياة وردية دائمًا، سَتبكي وتَحزني مِرارًا وتِكرارًا، وسَتصفعُكِ الحياة لتَترك بصمتهُا بِقلبكِ كما تَفعل مع الجميع، رُبما لن يَستوعبَ عقلكِ المَغزى من تلك الصفعة، ولكنكِ سَتتعلمين حَتمًا، أعلمُ أن الصفعة تكُون قاسية للغاية، ولكنكِ قوية فأنا أثقُ بِكِ، لا بأس يا عزيزتي فسوف تُثمرُ حَدائق قلبكِ من جديدِ، وسَتضحكِ بمَقدارِ بُكائكِ، فها أنتِ تَستندين عَلَىٰ تلك الهزائم البَالية وتَعودين مُجددًا حَتَّىٰ دون أي مُساعدة، ليس لدي علم بالمُستقبل ولكني أراكِ تَقفين بِثباتِ وشموخِ، وتَتحدى الجميع حَتَّىٰ ذلك الجزء الضعيف بِداخلكِ. لقد نَضجتي يا صغيرتي، ولا أقصدُ نَضوجَ السنِ بل نَضوجَ الفكر والروح، أَنتِ لا تَحتاجين لدعم أو قوة من أحدهم؛ لأنكِ بِبَساطة تَدعمين جيشًا كَامِلًا وأنتِ تَشعرين بالضعف، فمَا بالكِ بِقوتكِ؟، لا أستهينُ بِضعفكِ أو حُزنكِ؛ لأنني مُؤمنة بكُلّ مَشاعركِ، فابكي وقتما تُريدين بالطبع فأنتِ لا تَعيشين وحدكِ، لذلك سَتتعرضين للخُذلان، والتَرك والكثير والكثير، أتمنى أن تُدركِي حَديثي جيدًا. "                                                                 

( ليليان آدم) 

            هذا خطاب وجهته الشاعرة ( ليليان ادم ) ل ( حواء ) فيه مجموعة من المكتسبات والحقائق التي تجعل منها قوة ضاربة ،قادرة على مواجهة المجهول كيفما تكون طبيعته . 

فمن هي اذا ( ليليان ادم )  


            ( ليليان ادم ) شاعرة مغربية ، لها مكانتها المرموقة في عالم القوافي، فهي ضمن لائحة النوافذ الابداعية التي لها جولات رائعة مع الشعر ، ولدت باسبانيا ، تلقت تعليمها الأولي بمدينة ( تطوان ) ،ثم في الرباط ، حاصلة على الاجازة في الأدب العربي من جامعة محمد الخامس ، استاذة اللغة العربية، بعدها التحقت بجامعة " السربون" حاصلة على دبلوم في الحسابات ،واخر في التمريض ،واخر في النطق ، عضو في العديد من الجمعيات منها "رابطة كاتبات المغرب "، لها ديوانين قيد الطبع ،احدهما 

" عود من ذون وتر " وديوان اخر " شيء مني" 

            الشاعرة ( ليليان ادم) وجدت في القصيدة الشعرية ملاذها وشجرتها التي حملتها معها الى ديار الغربة وخاصة في فرنسا ، ابدا لم تشعر بمرارتها ، لان لذيها رفقة امينة ، تجالسها بكرة وعشيا ، تتحاور معها كل وقت وكل حين ، فالقصيدة هي توامها الروحي التي لا تفارقها ، هي عشقها الصامت ، هي بوصلتها في أديم مجتمع يمتاز بثقافة باردة ، تختلف نوعا ما عن الوسط الثقافي الذي احتضنها، فالشاعرة ( ليليان ادم) هي فعلا وتر ممزوج من ريش نورس قادم من الشمال البارد ، والباحث عن محيط دافىء ، يغشاه الحنان وتكتنفه بركات الحب المفقود في اوساط عالم تنقصه حرارة العلاقات ، هذا الدفء اهتدت اليه الشاعرة بحسها المرهف منذ نعومة اظفارها، وبشاعريتها الكامنة في اعماق روحها منذ ان رات النور ، و كيف لا ، وطبيعة بلاد الاندلس كانت فيما مضى هي مَهد قبلة الشعراء الذين بصموا صفحات التاريخ الادبي بالوان شعرية مازالت راسخة على مرافىء الزمن ، فهي المتشبعة بشعر ( لسان الدين ابن الخطيب) وخاصة قصيدته 


جَاءَتْ مُعَذِّبَتِي فِي غَيْهَبِ الغَسَقِ

             كَأنَّهَا الكَوْكَبُ الدُرِيُّ فِي الأُفُقِ

فَقُلْتُ نَوَّرْتِنِي يَا خَيْرَ زَائِرَةٍ

            أمَا خَشِيتِ مِنَ الحُرَّاسِ فِي الطُّرُقِ

فَجَاوَبَتْنِي وَ دَمْعُ العَيْنِ يَسْبِقُهَا

           مَنْ يَرْكَبِ البَحْرَ لا يَخْشَى مِنَ الغَرَقِ

فَقلتُ هذي أحاديثٌ ملفّقةٌ

           موضوعةٌ قدْ أتتْ منْ قولِ مُختَلقِ

فقالتْ وحقِّ عيوني عزَّ منْ قَسَمٍ

         وما على جَبْهَتي منْ لًؤلؤ الرَّمَقِ

إنّي أحِبُّكَ حباً لا نفادَ لهُ

         ما دامَ في مُهجتي شيءٌ منَ الرَّمَقِ


         الشاعرة ( ليليان ادم) ومنذ ان وعت كان هاجسها وهوسها لا يبتعدان ابدا عن حَمية قرض الشعر ومازالت الى حدود تاريخه - بعد عمر طويل - فتلكم الهواجس رافقتها في الظل الى ديار الغربة ، من دون جواز سفر ، ولا تأشيرة مرور ، ( ليليان ادم ) وجدت ضالتها عند فطاحل شعراء الماضي والمحدثين ، الذين ساهموا بشكل او باخر في بلورة تفجير ينابيع الفن الشعري عندها ، ولذلك جاءت قصائدها ممزوجة بانغام موسيقية ( زريابية ) تسر القارئين .


              اِن خطاب ( ليليان ادم ) ل( حواء) جاء من منطلق ذاتي ،ومن تجربة عاشت فصول مشاهدها عن قرب ، حيت لخصت قصة حياة ( حواء) في بضع سطور ، تخللتها مجموعة من الاحداث ،والوقايع السردية الحقيقية ، حيت عبرت عن ذلك من خلال النَضج الفكري والروحي ، فالانثى في مسار حياتها لا تحتاج لدعم او قوة خارجيه ، تساندها في معترك الحياة ، بل هي مَن يُلجَاُ اليها لتساند من يشعر بالضعف ، اويسعى الى اللجوء اوالحماية من مطبات ما يعتري معترك الحياة ، وذلك لكونها قادرة على مواجهة كل اصناف والوان ما يُخَبؤه الزمن بقوة مشاعرها ، وحِنكة قراراتها .


           واختم بالقصيدة الرايعة للأديبة و الشاعرة 

 ( ليليان ادم) التي تحمل عنوان " لا تغازلني" . ارجو لكن، ولكم قراءة ماتعة .


لا تغازلني… لا تغازلني

وتسكن الوجه المظلم للقمر

لا تصلبني على حافة الوقت

بومضة عشق سقطت من عينيك سهوا

والقرب منك تعذر

ضعتُ بين قبلتك وقبلتي

في ليل يشكو الهذيان

وعلى يقين ما استقر

يشاركني الوهم قدح جنوني

ويقاسمني كأسا من فراغ

فيا ليت يدي يدي تصل إلى السماء

لأرتشف قبلة من ثلجك

قبل أن تتبخر

وفي المحضور والغموض

أرتل لك صلاة عشق

بلذة الإيمان… بحلاوة الكفر

وأحبك أكثر وأكثر..

مهلا سيدي…لا تغازلني… ولا تختزلني..

في حروف إذا ما ملأت كأسك لا تجعلك تثمل..

واطرد الظل الماكر عن هوانا

عسانا نُرتق صلواتنا الممزقة

ونصوم قضاء فائتا

طالما انتظر

فلا تغازلني…

فقد فقدت مسرجي

في صراع بين الإيمان والشك

كسرت الوصايا

صرت نبيذا

اشتعلت جمرات شوق

بها الحجر انصهر

فدعني أجمعك دُررا

أُرصع بها خواء نفسي

لكن بربك… بربك لا تتكسر..

ولا تترك الخجل يتراقص خلف خطواتي

وعلى زلاتي تستر

فلا تكتبني اليوم قصة وتتركني لغد

ي


محوني فيه ماء المطر

استنشقني سجارة بنكهة البن

فرجاء.. رجاء عني لا تتأخر

فأنا أسهم من العشق تتصاعد في كل مزاد

وأبدا… أبدا… لن أخسر..


الله غالب 

عبدالسلام اضريف

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية