مدفأة الجدة ... للأديب حيدر الدحام
مدفأة الجدة
رجع يجر أذيال الخيبة، خطوات ثقيلة وبطيئة كدبيب النمل، عيون غائرة تترقرق خلالها الدموع، رأسه منكس لا يجرؤ أن يرفعه.
رمى بجسده المتعب فوق سريره كأنه قد سقط من علو شاهق، أقتربت منه زوجته لتطمئن عليه.
- لقد خسرت كل شيءٍ.
- ماذا ؟!!
- أضعت ثروتي، سنكون بلا مأوى.
- لقد عملت ما يدور برأسك، إنه عنادك.
- تعلمين جيدًا، هذا هو عملي.
- نعم، صحيح .. لكنك أدخلتنا بمغامراتك وسببت ضياعنا.
نهض ليسند نفسه محاولًا الجلوس، نزع سترته وربطة عنقه التي خيل له كأنها حبل مشنقة، أشعل سيجارة وجذبها بنفس عميق.
- حبيبتي .. منذ طفولتي وأنا عصامي، بدأت من الصفر، كونت ثروتي البسيطة مضاربًا في سوق العقار، ولا أنسى وقوفكم معي فطالما تركتكم دون دار سكن.
- وقد حذرتك كثيرًا، لو تعرضت لخسارة فانك ستخسر كل شي، وأهم شيء … إنه الوطن.
جلست على الأرض والدموع تتساقط من عينيها، حالة خوف من المجهول بدت على وجهها البريء، لم تدرِ ماذا تفعل، وما هو الحل.
طُرق الباب ..
- أنا المحامي، جئت لتسوية الأمور بصورة ودية دون اللجوء للمحاكم.
- نعم .. نعم .. أفهم موقفك تفضل للداخل.
جلس مرتبكًا وعيونه تترقب ما ستؤول إليه الأمور، عكس المحامي الذي كان رصينًا ذو رباطة جأش ولباقة في الحديث.
- لأخبرك أولًا .. جميع الدائنين متعاطفين معك، ولا نية لهم بأيذائك، فقدك لعملك خسارة للجميع، لكن المبلغ كبير، كان الأجدر بك التأكد من الأوراق المزورة قبل بيع الأرض ، لقد خسرت مالك وثقة الجمهور بك.
- صدقني، لم أكن أعلم، كنت حسن النية، لكن الطمع أغراني وسرت مغمض العينين خلف غرائزي، ولم أنوي غش زبائني …
قاطعه المحامي ناظرًا لساعة يده، وبدت عليه حالة التذمر من ضياع الوقت بكلام لايوصف إلا ( بمضيعة للوقت ).
- على العموم .. سأقوم غدًا بإجراءات الحجز، أرجو أخلاء الدار وتسليمها خلال شهر واحدٍ فقط.
ودعه إلى الباب الخارجي، نظر لحديقة المنزل، شجرة البرتقال التي أهداها خاله من ديالى، الأرجوحة الصغيرة التي رافقت بناته لغاية الجامعة!!
كل شيء في البيت له بصمة لا تمحى من الذاكرة.
- لقد سمعنا حديثك مع المحامي، كيف سندبر أمورنا ؟
- الله من يدبر الأمور.
جلس على كرسيه الخشبي قرب مدفأة النفط لائذاً بآخر ذكرى من والدته، جمع عائلته قربه، أحس بالدفء والأمان الحقيقي لأول مرة، هذا اللقاء كان محرومًا منه منذ زمن بعيد لانشغاله بالعمل وعجلة الحياة.
- أبي !! أعلم أن هذه المدفأة لجدتي، وبيتها مازال مغلقًا، انه كبير ويسعنا.
- نعم أحبتي.. بيت أهلي وذكريات طفول
تي .. تناديني.
حيدر الدحام
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية