الحامول والهالوك.... د. علوي القاضي
«[8]» الحامول والهالوك «[8]»
رؤيتي : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق ، فالإنتهازية هي السياسة والممارسة الواعية للإستفادة (الأنانية) من الظروف ، مع الإهتمام الضئيل أو المعدوم تماما بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين
... وأفعال الشخص الإنتهازي يغلب عليها النفعية التي تحركها بشكل أساسي دوافع المصلحة الفردية والشخصية
... فلا فرق بين الإنتهازي والوصولي ، فكلاهما وجهان لعملة واحدة ، إذا هو الشخص الذي يقدم مصلحته الشخصية على مصلحة العامة أو الآخرين ويتمتع بـ (الأنانية) في تحقيق أهدافه المعلنة أو غير المعلنة ، قال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) ، كم من شخص يُحسن الكلام ويُظهر الود ، لكنه يخفي في قلبه النفاق والأنوية والمصلحة الشخصية !
... فالوصوليون يتقنون التلاعب بالمشاعر لكسب رضاء الآخرين ، لكن حقيقتهم تظهر عند أول إختبار
... لذلك فإن الإنتهازيين ، يطفون على السطح ، مذبذبون تارة يُمنى وأُخرى يُسرى ، فيلفظهم الجميع مثل النهر عند الشط ، ثم يعتريهم الخذلان والنسيان مهما طال الوقت
... والإنتهازي مثال حي لقول الشاعر :
.. أعَلِّـمُهُ الرِّمَـايةَ كُلَّ يَـومٍ***فَلمَّـا اشْتَدَّ سَاعِدُه رَمانِي
.. وَكَمْ عَلَّمْتُـهُ نَظْمَ القَوَافي***فَلَمَّا قَالَ قَافِيةً هَجانِي
... فالإنتهازية من فعل نهز ، وإنتهز الفرصة تعني إغتنمها وبادر إليها ، لكن الإنتهازية لاتحمل معنى الفعل الإيجابي ، فالانتهازيون أشخاص نالوا من الفشل نصيبهم ، فالتجأوا إلى الآخرين كسلم يصعدونه ، هم أشخاص يقومون بتحقيق مصالحهم على حساب مصلحة الآخر أو المصلحة العامة ، دون الأخذ بعين الاعتبار القيم والمبادئ الأخلاقية ، وما أكثر الإنتهازيون في زمننا هذا ، أولئك الذي يتسلقون أشلاء الآخرين ليصلوا إلى مبتغاهم ، يجيدون فن المداهنة والتملق والمدح ، مبدعون في رسم الخطط ، لامبدأ لديهم ، ولا فكرة يدافعون عنها ، همهم الوحيد في الدنيا هو الإتكال على الآخرين والركوب على أكتافهم ليحققوا مآربهم ، وحالما يحققون المبتغى ، يطلقون ساقهم للريح ولايتبقى منهم شيئا إلا الذكرى ، والشعور بالحسرة ، وبعض من الشعور بالغباء ، لهم في كل مكان وجود وفي كل مجال لهم بصمة ، إنهم ينتشرون ويتكاثرون
... معروف أن العلاقات الإنسانية تقوم على الحب والمودة والإحسان والعرفان ورد الجميل ونكران الذات ، وبوجود أمثال هؤلاء لا يبق هنالك مكان لأية قيمة إنسانية ، فإن الانتهازية تورَّث من شخص لشخص بالإيحاء ، وبالتقليد تنتقل من شخص لآخر ، إنها عدوى الإنتهازية التي خلقت في نفس كل واحد منا فوبيا العلاقات وتكوين الصداقات ، يقول الإمام الشافعي ، (سَلاَمٌ عَلَى الدُّنْيَـا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِـهَا صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ لايمكننا الحديث عن الإنتهازية دون الحديث عن الصداقة ، والصداقة في المعاجم العربية تعني علاقة مودة ومحبة بين شخصين أو أكثر ، لكننا اليوم نعيش عصر السرعة فبعد أن كانت الصداقة عِشرة بين الأشخاص من المهد إلى اللحد ، وبعد أن كان الصديق يرافق صديقه في الحياة إلى أن يحثو على قبره التراب ، أصبحت اليوم مجرد مرحلة في حياة الإنسان ، تقصر ولاتطول ، مرحلة لها بداية ولها نهاية معروفة ، وصلاحية محدودة ، قصة تكتب بحروف المدح والتملق وتنتهي بتحية سلام بلا رد
... لذلك يجد الإنتهازيون في الصداقة أرضهم الخصبة ، يتقربون ويتودَّدون ويلتصقون بالروح لصَقا ، ثم بعد أن يدرسوا شخصية الضحية يبدأون في التنفيذ ، إنها جريمة مكتملة الأركان ، وهنا يحدث للضحية خلط في المصطلحات ، فلا يفرق بين الإستغلال والإيثار ، ويظن كل الظن أن استغلال الطرف الآخر له هو عاطفة حب زائدة عنده ، وأنه لاضير من التضحية وتقديم بعض التنازلات في سبيل الحفاظ على العلاقة السامية ، ألا وهي الصداقة ، لكنها في الحقيقة غباء زائد منه
... وإلى لقاء في الجزء التاسع إن شاء الله
... تحياتي ...
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية