طعم الهزيمة... الأديب محمد جمال ريحاوي
🔥 طعم الهزيمة والفشل.. وطعم الانتصار
رحلة الإنسان بين الانكسار والانتصار، بين سقوط الفكر وصعود الروح
🌀 #محمد- جمال- ريحاوي.
في البدء كانت الدهشة، وكانت الهزيمة.
دهشة لم تلدها الكتب، ولا أسطر الروايات، بل ولدت في لحظة صمت بين صيحة من سقطوا وصهيل من انتصروا. الهزيمة طعم لا يورث، لا يحكى، لا يدرس. إنما يذاق.. يُقضم كصخرة على قلب صاحبه، تكسر بها الأسنان النفسية، وتقشر بها طبقات الغرور، طبقة تلو الأخرى، حتى تنكشف النفس كما هي.. عارية، بلا رتوش، بلا أقنعة.
📕الهزيمة: الانكسار الأول في مرآة الذات
في علم النفس، يعرف "الإحباط" بأنه الحالة الانفعالية الناتجة عن تعذر تحقيق هدف. لكنه في الهزيمة يتحول إلى شيء أعمق.. "التفكك الداخلي" ، حيث تتهاوى البنى النفسية التي طالما اعتقدنا أنها صلبة، فإذا بها مجرد خيام منصوبة في مهب ريح.
الهزيمة ليست حدثا؛ إنها حالة وجودية. تمامًا كما شرحها "فيكتور فرانكل" في كتابه الإنسان يبحث عن معنى: أن تنهزم، يعني أن تواجه العدم في نفسك، وتبحث فيه عن ذرة حياة. هي لحظة الفقد الكلي للسيطرة، ما سماه علماء الاجتماع "اللايقين الكلي"، حيث تنهار التوقعات، وتبدأ الذات بإعادة بناء واقعها من رماد ما سقط.
في الهزيمة يتكلم "سيغموند فرويد" عن "النكوص"، ويشرح "كارل يونغ" كيف يظهر "الظل" فينا: ذلك الجزء المكبوت، العدواني، الغاضب، الحاسد، الذي نظن أننا تجاوزناه.. فإذا به هو من يستيقظ أولًا حين تسقط قلاعنا.
📘طعم الهزيمة في كل التجارب
🏵️في التعليم: حين يسقط الطالب الذي سهر الليالي، ليجد درجته أقل من آخر جلس عابثا. إنها "خيبة التفوق" .
🏵️في الحب: حين لا يكون الحب كافيا. حين تكون مشاعرك كاملة، لكن الطرف الآخر يختار الرحيل. هنا تحدث "الصدمة العاطفية"، وهي ليست مجرد ألم، بل كسر في البنية العصبية للثقة.
🏵️في السياسة: كما حدث في سقوط الاتحاد السوفييتي، وكما حدث في "فيتنام" حين هزمت أقوى جيوش الأرض. إنها الهزيمة التي تكتب تاريخا جديدا لا يدرس في كتب التاريخ، بل في ضمائر الشعوب.
🏵️في الأبوة: حين تفشل كل محاولاتك في تربية ابنك، لأنك نسيت أن تربي نفسك أولًا.
📗لكن.. للهزيمة وظيفة لا يفهمها إلا من ذاقها.
"الهزيمة هي البوابة إلى النصر الحقيقي"، كما قال "نيلسون مانديلا"، الذي جلس 27 عامًا خلف القضبان ليعيد صياغة بلاده، لا بروح المنتصر الدموي، بل بروح الحكيم المجرب.
"الإخفاق البنّاء" هو المفهوم الذي صاغه علماء التربية، ليؤكدوا أن السقوط هو مرحلة في "منحنى التعلم"، وأن من لم يسقط، لم يتعلم شيئًا حقًا. في الفشل تظهر "المرونة النفسية" ، ويولد ما يعرف بـ "النمو بعد الصدمة" .
📙طعم الانتصار: لا يُستحق إلا بعد السقوط
🌀الانتصار الحقيقي ليس في أن تصل، بل أن تعرف لماذا وصلت. هو ليس لحظة رفع الكأس، بل لحظة تذكر كل الكؤوس الفارغة التي سبقتها. هو التحقق الوجودي ، كما عبر عنه "أبراهام ماسلو" في هرم الحاجات، حين يصل الإنسان إلى قمة "تحقيق الذات" .
🌀الانتصار في الأدب، هو "غابرييل غارسيا ماركيز" يكتب مئة عام من العزلة بعد أن رفضوا رواياته الأولى.
🌀والانتصار في الشِعر، هو "المتنبي" حين قال:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ **فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
🌀والانتصار في الرياضة، هو كل مرة عاد فيها "محمد علي كلاي" بعد السقوط، وقال: "أنا الأعظم.. لأنني سقطت ووقفت."
📗📕التجربة الإنسانية: أرجوحة بين السقوط والنهوض
لقد أثبتت دراسات علم النفس الإيجابي أن "المعنى" هو ما يجعل الهزيمة مقبولة، والانتصار مستحقًا. وبيّن "مارتن سيليغمان" أن الإنسان قادر على أن يصنع من الفشل درسًا، ومن الانتصار تواضعًا.
📙📕خاتمة: حروف من جوهر الفكر والإبداع
الإنسان كائن لا يُعرف في لحظات القوة، بل في لحظة الهزيمة.. كيف تحملها، كيف قرأها، وكيف نهض منها. إن كل تجربة، من معركة واترلو إلى فشل مشروع صغير في قريتك، هي مرآة كونية لانعكاس الذات.
طعم الهزيمة ليس مرًّا كما نظن، بل هو الخميرة الأولى لطعم الانتصار.
هو النغمة الناقصة التي لا تكتمل سيمفونية الحياة دونها.
هو المعلم الأشد صمتًا.. والأبلغ أثرًا.
فإذا أردت أن تعرف إنسانًا، لا تسأله عن لحظات مجده، بل اسأله:
كيف ذاق الهزيمة؟ وكيف تذوق بعدها طعم النصر؟
ولعل هذا المقال، في جوهره، لا يُقرأ فقط، بل يُعاش.. ويُستعاد عند كل منعطف. فهو ليس حبرًا على ورق، بل بصيرة كتبتها تجارب الأمم، وسهرة عاشها المحب، وعِبرة تعلمها المربي، ونَفَس التقطه المقاتل الأخير بعد سقوط مدينته وقيامها من جديد.
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية