الخميس، 28 أغسطس 2025

الشاعر محمد توفيق رحال واللهفة

 اللهفةُ

لا تُكتبُ بالحبر،

ولا تُقالُ في وضوحِ الجملة،

هي رعشةٌ

تسكنُ ما قبل الكلام،

وتُفضَحُ في نظرةٍ

تسبقُ السلامَ،

وتُربكُ الوقتَ.


تحسّها في القلب،

كأنّ شيئًا يتحرّكُ دون إذن،

كأنّ الذاكرةَ تشتعلُ فجأة،

كأنّ المسافةَ بينك وبين الآخر

تُختصرُ بنبضةٍ واحدة.


اللهفةُ

لا تُترجم،

لكنّها تُفهم،

حين تلمعُ العينُ بلا سبب،

وحين ترتجفُ اليدُ قبل اللقاء،

وحين يصمتُ كلّ شيء

إلا الشعور.


هي في التفاصيلِ الصغيرة،

في التردّدِ،

في التنهيدةِ،

في تلك اللحظةِ التي لا تُفسَّر

لكنّها تُغيّر كلّ شيء.


اللهفةُ

لا تحتاجُ إلى كلمات،

يكفي أن تمرّ،

فتتركَ أثرًا

لا يُمحى.


اللهفةُ

تُربّى في الغياب،

كأنّ القلبَ يُدرّبُ نفسهُ على الانتظار،

ويُخبّئُ النبضَ في جيبِ الوقت،

حتى يحين اللقاءُ

ويفيضُ كلُّ ما لم يُقال.


في الغيابِ،

تُصبحُ النظرةُ وعدًا،

والصمتُ لغةً،

والتفاصيلُ الصغيرةُ

مرايا لما كان يجب أن يكون.


اللهفةُ

لا تموتُ،

بل تنامُ قليلًا

في ظلّ الحنين،

وتُوقظُها لحظةٌ

كأنّها خُلقتْ فقط لتُقالَ فيها "أهلاً".


وفي اللقاء،

لا يتحدّثُ أحد،

لكنّ العيونَ تُنشدُ،

والأرواحَ تُصافحُ،

والزمنَ يتوقّفُ

ليُصغي لما بين النظرات.


اللهفةُ

هي ما يجعلُ اللقاءَ حدثًا كونيًّا،

لا عاديًّا،

هي ما يجعلُ الغيابَ مقدّمةً

للحضورِ الذي لا يُنسى.


فدعها تنمو،

دعها تُربكك،

دعها تُعيد ترتيبك،

فهي ليست شعورًا عابرًا،

بل إعلان حياةٍ

في قلبٍ كان يظنّ أنه نسي كيف يُحبّ.


محمد توفيق رحال  .




0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية