الاثنين، 10 مارس 2025

الأم منارة الحياة/ للأديب الفلسطيني د. خالد الزبون

 اَلْأُمُّ مَنَارَةُ الْحَيَاةِ

قِصَّةٌ قَصِيرَةٌ

الْكَاتِبُ أ . خَالِدُ الزَّبُّونِ


تَعِيشُ فِي مَنْزِلٍ بَسِيطٍ ، غُرْفَتَيْنِ وَمَطْبَخٍ صَغِيرٍ ، تَفْتَقِدُ إِلَى أَدْنَى مُقَوِّمَاتِ الْحَيَاةِ ، نَافِذَةٌ وَاحِدَةٌ وَتَبْقَى مُغْلَقَةً ، يَكَادُ الْهَوَاءُ لَا يَعْرِفُ طَرِيقًا إِلَيْهَا ، وَلَكِنَّهَا تَنْظُرُ بِعَيْنٍ مَلِيئَةٍ بِالْخَيْرِ وَالْمَحَبَّةِ إِلَى الْحَيَاةِ ،

 تَقُولُ لِنَفْسِهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ اسْتَسْلِمَ ، الْأَبْنَاءُ يَحْتَاجُونَ الْعِنَايَةَ وَالرِّعَايَةَ وَالتَّعْلِيمَ وَالتَّرْبِيَةَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ اخْذُلَهُمْ ،

 لَقَدْ مَاتَ زَوْجُهَا وَتَرَكَ لَهَا خَمْسَةَ أَطْفَالٍ فِي عُمرِ الزُّهُورِ ، يَا لَهَا مِنْ مَسْؤُولِيَّةٍ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْأُمِّ

 الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ مِنْ الْفَجْرِ فِي مَصْنَعٍ لِلنَّسِيجِ حَتَّى السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ظُهْرًا مُقَابِلَ دُرَيْهِمَاتٍ تَكَادُ تُوَفِّرُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لَهُمْ ، وَبَعْدَ الْعَوْدَةِ لِلْمَنْزِلِ يَبْدَأُ يَوْمٌ جَدِيدٌ لِلْعَمَلِ فِي حِيَاكَةِ الْمَلَابِسِ لِلْجِيرَانِ ، فَقَدْ اشْتَرَتْ مَاكِنَةً لِلْخِيَاطَةِ تُسَانِدُ بِهَا مُتَطَلَّبَاتِ الْحَيَاةِ فَلَدَيْهَا عِزَّةُ نَفْسٍ وَكَرَامَة وَتَرْفُضُ أَنْ يُقَدَّمَ لَهَا مُسَاعَدَةٌ مِنْ الْجَمْعِيَّاتِ

 فَهِيَ حَرِيصَةٌ عَلَى مَنْحِ أَطْفَالِهَا الْحُبَّ وَالْحَنَانَ وَالْقُوَّةَ وَمَصْدَرَ الْإِلْهَامِ وَالطَّاقَة حَتَّى لَا يَشْعُرُونَ بِالْحِرْمَانِ أَوْ أَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ جِيلِهِمْ ،

 فَهي لَهُمْ بِمَثَابَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالصَّدِيقِ وَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعُزْوَةِ وَالسَّنَدِ ، 

وَتَمُرُّ الْأَيَّامُ وَالسُّنُونَ وَيَكْبُرُ الْأَبْنَاءُ وَيَتَخَرَّجُونَ مِنْ الْمَدْرَسَةِ ، وَمِنْ ثَمَّ إِلَى الْجَامِعَةِ الَّتِي

اسْتَطَاعُوا أَنْ يُحَقِّقُوا الْمِنَحَ الدِّرَاسِيَّةَ وَشَهَادَاتِ التَّفَوُّقِ

 فَسَعِيدٌ تَخَرَّجَ مِنْ كُلِّيَّةِ الطِّبِّ وَسَلْمَى مِنْ كُلِّيَّةِ التِّجَارَةِ وَشَهِدَ الْمُهَنْدِسَةَ وَسَلْوَى الْمُمَرِّضَةَ وَإِبْرَاهِيمُ عِلَاجٌ طَبِيعِيٌّ ، 

وَالْأُمُّ مَا زَالَتْ تُؤَدِّي رِسَالَتَهَا وَتُحَارِبُ كُلَّ الظُّرُوفِ ، وَتَجْعَلُ الصَّعْبَ سَهْلًا وَتُقَاوِمُ كُلَّ الرِّيَاحِ الْعَاتِيَةِ وَتَصْمُدُ لِتَرَى ثَمَرَةَ نِضَالِهَا ابْنَائِهَا فِي أَعْلَى الْمَرَاتِبِ الَّتِي رَفَضَتْ مِنْ أَجْلِهِمْ الزَّوَاجَ ،

 وَتَرْكَهُمْ وَالِابْتِعَادَ عَنْهُمْ ، هُمْ فَرْحَةُ الْقَلْبِ وَبَهْجَةُ الْعُمْرِ فِي لِبَاسِ التَّخَرُّجِ وَالْوَظِيفَةِ ،

 فَسُلْمَى تَقُولُ إِنَّ فِي قَلْبِ امْهَا وَطَنٌ تَسْكُنُهُ وَتُحِبُّهُ وَتَفْتَخِرُ بِهِ ، 

أَمَّا سَعِيدٌ فَيُرَدِّدُ دَائِمًا إِنَّ كُلَّ مَا حَدَثَ وَسَيَحْدُثُ مَعَهُ بِبَرَكَتِهَا وَدُعَائِهَا فَهِيَ الشَّمْسُ تُشْرِقُ فِي الْٱفَاقِ وَشَذَى الْعِطْرِ يَنْتَشِرُ وَلَوْ حَاوَلَتِ اخْتِزَالَهُ ، وَمَنْ عَاشَ تَحْتَ قَدَمِ أُمِّهِ عَاشَ سَيِّدًا فِي قَوْمِهِ 

وَ هِيَ بَابُكَ فِي الْٱخْرَةِ


لِلْجَنَّةِ . . .

1 تعليقات:

في 10 مارس 2025 في 2:17 م , Blogger Rady Elska يقول...

مبروووك بالتوفيق والنجاح

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية