الأربعاء، 9 يوليو 2025

من الطفولة .... الأديب صالح بوشقور

 من الطفولة.

أول يوم في المدرسة.


 وهو يتذكر نفسه يسمع أهله يتهامسون ذات ليلة أن الصبي بلغ من العمر سبع سنوات فأصبح لزوما أن يلتحق بالمدرسة.

خرجا عليه فوجداه حزينا كئيباوأدركا أن ما دار بينهما همسا تناهى إليه.

  تبادلا نظرات عتاب وإعترفا أنهما أساءا التقدير.

شعر الصبي أنه تعرض للغدر، ،فما كان ليطيق فراق أمه ساعة واحدة.

ضمته أمه إلى صدرها وأجهش بالبكاء ،

حتى إذا أعياه البكاء صمت قليلا وشرد بذهنه.

أصابت أمه طمأنينة عابرة وربتت بيدها الناعمة على رأسه. 

تذكر فجأة أنه قبل لحظات كان باكيا فأبى عليه كبرياه أن يظهر ضعفا وأسعفته موجة بكاء أكثر حدة وشدة.

جزعت أمه وتوسلت بالأولياء خوفا ان تنال منه الأرواح الشريرة.

ظل هذا الشعور يلازمه وقد أصابه الكبر،فما تذكر يوما أنه تنازل عن كبريائه بمذلة مهما كلفه الأمر.

إبتسم لنفسه وهو يتذكر هذه اللحظات الزاهيات وخطر بباله أبوه يقول له ناصحا:

 الخسارة كاملة أفضل من نصف الخسارة.

 لم يفهم الصبي شيئا فحدق في أبيه مستنجدا أن يفك هذه الألغاز .

ضحك مما طال ذهن إبنه من عجز،وشرح له ما غمض في الأمر:

الكبرياء يا بني كل لا يتجزأ.

رد الصبي التحدي بمزاح جميل:

ما إسم جدك الرابع يا أبي.

اغمض أبوه العينين وتوقف بذاكرته عند أب جده .

ثم إستسلما معا لضحك جميل أنساهما عجزهما.

نال التعب من الصبي واستسلم لنوم عميق رحل به إلى مشارف الصباح.

أيقظته أمه برفق في ساعة مبكرة لم يعتدها وقدمت له الفطور .

ثم ألبسته ثيابا نظيفا وهمست في أذنه :

ستذهب إلى المدرسة لتصير قاضيا،

بدا الصبي أكثر هدوءا ولم يبد تمردا.

لا يدري لماذا أختارت له أمه بالتحديد هذه المهنة.

مع الكبر رجح أنها كنساء ذلك الزمن عانت

من أوامر الرجال ونواهيهم.

أمسكت بيده وسار معا إلى المدرسة التي لم تكن تبعد كثيرا .

إنتبه فجأة انه الوحيد الذي لا يرتذي بزة زرقاء كأقرانه و أعتمل في صدره الحزن والحياء.

غادرت أمه المكان فضاقت عليه الدنيا بما رحبت وأحس بشوق عارم إليها ينهش صدره.

أجلسه المعلم بين أطفال مهرة مكرة تعلموا أساليب من الدهاء لا عهد له بها .

فأضحكوه وأنسوه ما يعتمل في صدره من مشاعر طفولية رقيقة.

مر أسبوع وتعلم أشكال الحروف فعرف المنتصب و المنبسط و المنبطح على وجهه.

ولكن حرف الألف دون باقي الحروف ظل دوما يستهويه ويشعره أن به عزة وأنفة.

 ذات يوم آنس الصبي من نفسه معرفة ،فأقترح على أمه أن يعلمها كتابة إسمها.

أمسكت القلم بيد مرتعشة وساعدها على رسم الحروف ،لكنها كل مرة كانت تخرج من إطار الورقة.

وحين ضاقت بأمرها قالت له ضاحكة:

القرد الكبير لا يتعلم.

وقتها لم تكن تعلم أنها كانت تنقش إسمها في قلبه إلى الأبد.

مرت الأعوام سريعاوأصاب الصبي الكبر .

وعجبا إرتذى بزة عسكرية لأكثر من أربعة عقود،ربما  

نكاية بأول يوم من الدراسة بدون بزة زمنها غمر


ه الحياء والحزن.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية