برزخ الشفاء.... الأديب طه عرابي
„برزخ الشقاء“
إنها قصيدتي الفلسفية، أتأمل فيها الصراع الداخلي للإنسان بين الأمل والخيبة، بين الرغبة في المعنى وسكون العبث.
في هذا النص، تتوالى الأسئلة الوجودية دون انتظار إجابة، بل تنفتح لتوسّع مجال التأمل في قلق الإنسان وتوقه الدائم لما لا يُطال.
تصوّر القصيدة الحياة كـ”برزخ شقاء” يفصل بين عالمين:
الأول، آمال هشّة تراودنا في لحظات الصفاء،
والثاني، واقع ثقيل يفرض منطقه علينا ويغشانا بصقيعه.
في هذا البرزخ، يصطدم الحب بالكراهية، والصدق بالكذب،
ولا يبقى للإنسان إلا أن يفتّش عن شيء من السكينة…
حتى لو كان في الصمت، أو في تخلٍّ عميق عن الجلبة.
“برزخ الشقاء” ليست قصيدة أجوبة، بل قصيدة بقاء.
⸻
برزخ الشقاء
(قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي)
دريسدن – 18.05.2020 | نُقّحت في 08.07.2025
إن نلنا ما نشتهي،
فهل تصمتُ فينا الشكوى؟
أم أضعنا الوعد،
ولم نمنحه ضوء النهار؟
سمعتُ السكينة تحدّث الصمت:
أنا كمالكَ… أيها الصمت،
أنتَ في هدوئي، وفي رَوعتي.
ترى، كيف تلتقي الحواس
وتُبعد الغفلةَ والأرق؟
لا سكينةَ في الكلام،
وإن لم يكن مُرهقًا،
ولا في صوتِ عصفورٍ يزقزق.
قال الصمتُ:
لولاكِ ما عِشتُ…
فاصفحي عنهم سوءَ الظنون،
يظنّونني للحزن،
ولكنني… مُبدع خارق.
في الصمت تُولد الفكرة، وتعيش الذكريات،
يا ليتهم يُدركون روعة الكفاف عن الشهوات.
أغلقتُ أذناي.
دخلتُ متفائلًا،
أم خرجتُ متعجرفًا كمن قهرته الخسارة؟
سألنا الأحبّة لنطمئن،
أم كنا نعرف ما يكفي لنمضي…
بخطى خائبة؟
نستفيق في دوامةٍ نعشقها،
تسكن النفس…
نكره، نحب، نغتفر،
وننتظر من القهوة أن تصير عرّافة اليوم.
حتى السكونُ يهمس لنا… فنغرق.
هل استراح الجدول حين زاد المطر؟
وهل وجد الماءُ السعادة في بحيرةٍ صامتة،
دون أن يشكو المسير؟
لو زارت الزهور البيضاء الأرصفة كلّها،
هل ينبت العشب من وجع الغيم
مقهورًا من سطوة الورد؟
الحياةُ وَهْمٌ يشبه فكرةً تتوهج،
والفكرةُ ساحةُ معركة،
فكيف نحيا كأننا نُصارع خصمًا خفيًّا،
ونُردّد البؤس
حتى يُغشى العقلُ بضباب الغياب؟
إن صار نكرانُ الجميل
وليمةً للخاضعين للطمع،
فلابد أن نهاجر إلى السكينة،
وإن لم نجدها…
فلنكن سكوتًا مثل الصمت.
قتلتنا الأسئلة،
وما زلنا نفتّش عن أدلةٍ مفقودة،
نخبئ الحيرة بين الصدق والكذب،
ونتساءل:
أربحٌ هذا أم خسارة؟
والعمر… يمضي،
يتركنا معلّقين على غصنٍ
يرتجفُ من ثقل أفكارنا.
يا للحسرة إن لم يُورق الغصن،
ولم ينضح بالزهر، وينحنِ للثمر.
هي العلّة:
في منابع الحيرة التي لا تنضب،
في زرع القلق بدل الزهور،
في إطفاء نجوم الليل في أعيننا،
وفي التشفّي بحطام الحاضر،
وبماضٍ
ضاعت ملامحه، فحوّلناه إلى قصيدةِ بكاء.
ولا فرق بين وحيدين
يفصل بينهما برزخُ الشقاء،
وأملٌ يسقط فوقهما كالندى،
فيختار كلٌّ منهما
أملًا مختلفًا… ويمضيان،
وكأن لكلٍّ منهما برزخ.
لكن الأمل، حين يت
أخر،
لا يعود خلاصًا،
بل ظلًّا للفراق،
وطريقًا
تتعثر فيه الخطوات أكثر من العقبات.
(ط. عرابي – دريسدن)
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية